AgOrAzEiN

Wednesday, September 14, 2005


النهار صفحة أدب وفن 23 آب 2005
يوم في حياة عظيم شعراء لبنان سعيد عقل
لن أتكلم على سعيد عقل الجسد، لأني لا أعرفه. أعرف العقل فقط. لا قيمة للجسد في رأيي إلا بقدر ما يخدم العقل. أحب دائما أن أكبر على جسدي، وأن أطالب رأسي، فالعقل هو الملك الأوحد والمطلق.
أهمّ ما أفعله في يومي هو تعمّقي في الله، وتوغّلي في عالمه لكي أفهمه أكثر. لطالما قلتُ إن الملحد انسانٌ كسول. الناس مستعدون للحديث عن أتفه الأمور ساعتين وثلاثا، اكثر مما هم مستعدون للحديث عن الله دقيقتين. لكن، من سوى الله أعطانا هذا الكومبيوتر العظيم الذي هو الدماغ، هذا الكومبيوتر الفريد من نوعه لأنه يعرف، ويعرف انه يعرف! لم تستطع أي شركة تكنولوجية في العالم أن تخترع كومبيوترا مماثلا. انا والله صديقان. أعي قيمته جيدا، واشعر بالتقصير إذا ألهتني عنه في نهاري أمورٌ أخرى. لا يكفي أن أحب الله، بل ينبغي لي أن أعرف ماهيته، وهذه المعرفة تفترض أن أحاكيه، أن أخاطبه وأستمع اليه باستمرار. لذلك أتحاور مع الله يوميا، ويشغل ذلك جزءا كبيرا من وقتي وتفكيري.
يقضّني كذلك، يوميا وباستمرار، موضوع العطاء. وتحديدا أن اخلق العطاء. فمن لا يعطي يصبح ميتا. الميت اكثر منه، ذاك الذي يفكر حصرا في الأخذ. تشغيل عقلي بالكرم والعطاء يبقيني شابا. اليوم الذي لا امنح فيه عطيّة مني، أمرض. لِمَ استبخل الله؟ هو أعطاني الكثير، ومثلما اعطاني سأظل أعطيه. الكرم اصلاً فعل مسروق عنه، وأول عطاءاته أنه خلقنا.
يشغلني الزمان أيضا. الزمان: ذاك الماكر الذي لا يعود الى الوراء ولا يفسح لنا أن نقوم بعملين في الوقت نفسه. فإذا خصصنا نصف دقيقة لنكره شخصا، راحت هذه الدقيقة إهدارا. العالِم يعرف هذه المعادلة جيدا، لذلك تراه لا يبدد وقته سدىً. العالِم يشتغل للزمان. وانا في هذا المعنى عالِم، وتهمّني العلوم كلها. لذلك أفي العلم حقّه من وقتي كل يوم. أقرأ كتبه ومراجعه، وأتابع اخباره و"لعباته" واكتشافاته، وهو لا يكفّ عن إدهاشي: الطب في شكل خاص، لكن ايضا الفضاء، وعلماؤه الذين سيأخذونني قريباً الى وطني الثالث الكون ويجمعونني بسكانه المنثورين في آلاف الكرات الشبيهة بكوكبنا. قال أحد العلماء إذا خصصنا 15 عاما من حياتنا للعلوم، يمكن ان نتقنها كلها. أما أنا فأقول: إذا لم يكن لدينا اطلاع على العلوم، فإننا لا نحترم انسانيتنا. أنا انسان، أي أني خُلقتُ لأكون عارفا بكل شيء. حتى الحرية لا تساوي شيئا بلا المعرفة والحقيقة.
كيف أمضي نهاري أيضا؟ بالحبّ: أنا خبير حبّ. لي ثلاثة اوطان: لبنان، الكرة الارضية، وهذا الكون الواسع اللامحدود. وعندي من الحبّ ما يغمر شعوب الاوطان الثلاثة. لكن يشغلني وطني الأول لبنان خصوصا. كيف لا وهو اعظم دولة في العالم بعد الفاتيكان، وأقول ذلك لأننا لا نستطيع أن ننافس الفاتيكان. لربما اتهمني أحدهم بالمبالغة. لا أخشى ذلك.
أحلم أن يخترعوا قاموسا ليس فيه كلمة سلبية واحدة، وقد طلبتُ فعلا من صديقي روحي البعلبكي أن يحققه. وكم يستنير يومي عندما يزورني اطفال، اذ لديهم، مع الحبّ، النعمة الأجمل: نعمة البراءة، التي سيعيدها الله الينا في السماء.
هكذا نصل الى الشعر، جوهر نهاري وروحه. لا يمضي يوم من حياتي من دون أن أكتب. أكتب الشعر تحديدا، لأن هذا "الأريستوقراطي" هو الوحيد القادر على جعل كلمتنا العادية كلمة إلهة. فرادة الشعر على بقية الفنون أنه شريك الكلمة العادية. أكتب الآن خماسيات ولُمَحاً ولقى، وقد أمضي يومين أو ثلاثة ايام على بيت شعر واحد. الشاعر يخلق الجمال. غار الانسان من الله فصار يريد أن يخلق الجمال مثله. لكني أذهب أبعد من ذلك لأقول إن شرط الجمال أن يكون شغل الانسان، لا شغل الله. قد يستغرب الناس قولي إن الجمال الذي ينتجه الانسان "أجمل" من الجمال الذي ينتجه الله،. لكنّ الله يخلق جماله ويمضي، اما الشاعر أو الفنان فينحني على عمله شهورا وسنوات ليتقنه.
سيقولون: سعيد عقل يتكبّر على الله وعلى عمل الله. لا، ليطمئنوا. الله لن يزعل منّي. الله "يعدينا" عظمة، وهو الذي يريدنا ان نتمثل به ونشبهه. كان المسيح واضحا. قال: كونوا كاملين كأبيكم الذي في السماوات. لم يقل: كونوا كاملين بنسبة 99 في المئة من كمال أبيكم. كتب دوستويفسكي: "الجمال منجاة العالم". بخلق الجمال أضارب على أبي الجمال.
وأن أكتب الشعر، يعني أن أزامل الله في إنتاج الجمال.
(خاص بـ "النهار")

0 Comments:

Post a Comment

<< Home